حصل أندري أزولاي، مستشار الملك ورئيس مؤسسة "أنا ليند" في 25 نونبر المنصرم بإيطاليا على جائزة "سان أوكيستان" لحوار الأديان، في دورتها الأولى. قرأت الخبر وتوقفت للحظات وأنا أتأمله. "حوار الأديان". متى سيطلع علينا شخص آخر ليقول بأن أندري أزولاي حصل على الجائزة، فقط لأنه يهودي؟ أتذكر فاعلا مغربيا كان قد طالبه، منذ بضعة سنوات، بأن يختار بين المغرب وبين إسرائيل، في خلط تبسيطي، لكنه خطير، بين اليهودية وبين الانتماء لدولة إسرائيل وبين الصهيونية. سائق التاكسي، منذ بضعة أيام، كان بدوره يتهكم وهو يقول بأن "اليهود شوكْتهم قْوات في المغرب". أذكره بأنهم مغاربة وبأن المغرب بلد اليهود كما هو بلد المسلمين، لكنه يبقى مصرا على موقفه. أين نحن إذن، على أرض الواقع وفي حياتنا اليومية، من الحوار الحقيقي بين الأديان ومن احترام حق الآخر في اعتناق عقائده، واحترام حقه في الانتماء بدوره لهذا الوطن؟
يزعجني كثيرا الخلط، حتى لدى بعض المتعلمين وبعض المثقفين (أو أشباه المثقفين) بين اليهودية وبين الصهيونية. المشكلة أن الكثيرين يَدّعون بشكل مؤكد بأنهم يُفرّقون بين الاثنين، لكنهم يختمون في حالات كثيرة نقاشهم بنفس العبارة المريضة: "ومع ذلك، فاليهودي يبقى يهوديا". لا أفهم كيف يمكن أن يخلط أشخاص عاقلون بين الله وبين الوطن. ما معنى أن نتحدث عن "الكاتب اليهودي إدمون عمران المالح"، وعن "المستشار الملكي اليهودي أندري أزلاي"، و"المغني اليهودي سامي المغربي" وعن "المناضل اليساري اليهودي أبراهام السرفاتي" وعن "الكاتبة اليهودية "نيكول الغريسي"، وغيرهم؟ علينا إذن أن نشرع في كتابة: "وزير المالية المسلم نزار بركة"، و"مدرب المنتخب الوطني، المسلم رشيد الطاوسي"، و"المطربة المسلمة نعيمة سميح" و"الكاتب المسلم أحمد بوزفور" وهلم جرا. يبدو الأمر مضحكا بهذا الشكل، لكن القلائل فقط ينزعجون من وضع عبارة "اليهودي" أمام كل الفاعلين المغاربة المعتنقين لهذه الديانة.
طبعا، نحن لا نناقش هنا الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين، وكل الفظائع التي تسببت فيها الصهيونية في حق الأبرياء، لكنه من واجبنا أيضا أن لا نخلط بين الديانات وبين الأوطان والمواقف الإيديولوجية.
ثم، إذا كنا نخلط بهذه البلادة بين اليهود وبين الصهاينة، فلماذا نحتج بشدة حين تخلط المجتمعات الغربية والإعلام الغربي بشكل تبسيطي بين المسلمين وبين الإرهابيين؟ إنه في الواقع نفس التفسير التبسيطي الذي يجعلنا نطالب مواطنين مغاربة يهود بالاختيار بين المغرب وبين إسرائيل (وهي "مبادرة" قام بها البعض منذ بضعة سنوات)، والذي يجعل بعض الشعبويين يتعمدون الخلط بين المفاهيم والتحريض المباشر ضد اليهود المغاربة.
لا أريد هنا أن أدافع عن هؤلاء، ولا أن أبحث بينهم عن النماذج المعادية للصهيونية، لأني أعتبر أن في ذلك بالذات إجحافا في حقهم. حين نبحث بين اليهود المغاربة عن نماذج تعادي الصهيونية، فهذا يعني أننا نقبل مبدئيا وضعهم في خانة المتهمين وأننا نقبل بشكل أوّلي كون أغلبيتهم متفقة مع جرائم الصهاينة. بعد ذلك، نحاول -كرما وسخاءً منا، وإثباتا لتسامحنا الكبير- تبرئة البعض منهم من تهمة شبه أكيدة.
أرفض هذا التصنيف وأعتبر المغاربة، بمختلف دياناتهم، سواسية أمام حبهم لوطنهم. الانتماء للوطن شيء والإيمان بدين شيء آخر. أندري أزولاي وبوطبول وإدمون عمران المالح وكاد المالح وأبراهام السرفاتي وغيرهم كثيرون، مغاربةٌ كغيرهم، لديهم حقوق عليهم التمتع بها وواجبات إزاء الوطن وإزاء القانون عليهم احترامها. يهوديتهم أمر يخصهم. إيمانهم (أو عدم إيمانهم) أمر يخصهم. لماذا نطالب العالم باحترامنا وباحترام ديننا بينما نرفض لمغاربة مثلنا حقهم في الاحترام لقناعاتهم الشخصية؟ أتفهم أن يحتج البعض ضد أي مغربي يساند الصهاينة، كيفما كانت ديانته؛ لكني لا أتفهم أن نعتبر كل يهودي مغربي متهما بالصهيونية، عليه إثبات براءته. في نفس الوقت، فنحن نحتج، شعوبا وإعلاما ومناضلين، ضد كَوْن جميع المسلمين متهمين في العالم الغربي، عليهم إثبات براءتهم من الإرهاب ومن السرقة ومن التخلف. إنها نفس الفلسفة ونفس المنطق المتخلفان، فلماذا نقبل جزءا منهم ونكرس الجزء الثاني؟
نحن حقا شعب مريض. نتحدث عن "أمة عربية" لا يجمعنا أحيانا بمكوناتها إلا الشيء القليل، وننسى وطنا حمل في رَحِمِه كل الاختلافات التي كان يُفترض فيها أن تغنيه، لتصبح اليوم قنبلة موقوتة بين أيدي بعض الجُهّل…