أ.د / أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالجامعة الإسلامية
المدينة المنورة وجامعة الأزهر
1 -
حدث في ليلة القدر
صفاء المحبّة
نيجاتا مدينة يابانيّة تقع على السّاحل الشّماليّ الغربيّ لجزيرة هنشو أكبر جُزُر اليابان وتبلغ مساحتها 726,09 كم وسُكّانها 812,705 .
لقد فنيت بك عنّي حتّى ظننتُ أنّك أنِّي
في ليلة السّابع والعشرين من شهر رمضان كُنّا في طريقنا إلى (نيجاتا) تِلك المدينة القابعة على السّاحل الشّمالي الغربي بالقرب من جزيرة هنشو أكبر جُزُر اليابان بعد رِحلةٍ ناجحة ، جمعنا فيها تبرُّعات لبناء المركز الإسلامي ، كُنّا في سعادةٍ غامرةٍ وشُعورٍ بالرِّضا ، قُلتُ لأصحابي لماذا لا نُضيء ظلام الليل بنور الذّكر والدّعاء ؟ راقت الفكرة ، كُنتُ أدعوا وهُم يؤمّنون ، أشعرُ كأنّني أرتقي مدارج عالية ، أسبح في آفاق رحيبة ، أُرفرف في أجواءٍ عالية ، حالة من الصّفاء والشّفافيَّة حلّت بي ، قلبي يزيد احتراقاً واشتياقاً ، وهمّتي تعلو استباقاً ، تذكّرتُ أخاً لي في الله يدرُس في النِّمسا ، بيني وبينه بُحورٌ وبُلدان وجِبالٌ ووديان ، لكن أشعُرُ بقُربه ، كأنّه معي ، بل كأنّني هو تآلف الأرواح أم تمازُج النُّفوس ، بدا لي كأنّنا روحُ واحدة .
قُلتُ لرفاقي أستأذنكم في الدُّعاء لأخٍ لي في الله ، والله لكأنّه معي الآن ، فالأرواحُ جُنودٌ مُجنّدة ما تعارف منها ائتلف ، نعم أشعُر بهذه الأُلفة ، بل أحُسُّ بنبضات قلبه ضَحِك الرّفاق ، وكأنّهم يُنكرون مثل هذه المشاعر التي لم يعرفُها النّاس إلّا في قِصَص العشْقِ والغرام ، أمّا الحُبُّ في الله والأُخُوَّة في الله فمن الغرابة بمكانٍ في عالمٍ طفتْ عليه المادّة ، وهيمنت عليه لفّة المصالح ، وأرهقته شهوات الجسد .
وطَفِقْتُ أدعو لأخي في الله بصدقٍ ويقينٍ وإخواني يؤمّنون ، عشرون دقيقة مضت وأنا أدعو له ولأهله وولده ووالديه بالخيرات والرّحمات ، وما إن فرغْتُ من الدُّعاء إلّا وجرس الهاتف يدُقّ ، إنّه أخي في الله الذي ما برحتُ أدعو له ، قال لي بعد التّحيّة والأشواق : تدري يا أخي أنّك خطرت لي مُنْذُ نِصف ساعة وأنا أدعو لك ولأهل بيتك ، فتحتُ السّمّاعة ليسمع رفاقي في السيارة هذا الكلام العجيب باله من توافُق وانسجام من الذي جَمَع بين قلبين وألّف بين رُوحين ونسّق بينهما حتّى كأنّهم ينبِضان معاً ، يدعوان معا ، يجْمعهما شعورٌ واحدٌ ويحتويهما خاطرٌ واحدٌ ، عجِب رفاقي ، ومكثوا في حالة من الدّهشة والاستغراب من هذه الكرامة العجيبة في تلك الليلة المُباركة التي لاحت نغماتها وتضوّع عبيرُها وتجلّت أنوارها على قُلوبٍ جمعها حُبّ الخير وغرس الإيمان في أقصى مُدُنِ اليابان .