يلاحظ الجميع عزوف الشباب المغربي عن الفعل السياسي، ويكاد الجميع يتفق على ضرورة الرجوع إلى الوراء للوقوف على الأسباب التي من شانها المساهمة في الاقتراب من تفسير هذه الظاهرة التي أضحى يتخوف منها الجميع والتي من شأن عواقبها أن تكون سلبية على مستقبل المغرب.
إن المتمعن في تاريخ المغرب الحديث يلاحظ أنه في مرحلة تاريخية سادت اختيارات ساهمت بقوة في إنتاج التيئيس، إذ كان تسود جملة من مظاهر الخضوع والامتثال لنموذج واحد للنظام السياسي عمل كل ما في وسعه لضمان استمرار يته بجميع الوسائل الممكنة، بدءا بالتنشئة الاجتماعية الهادفة لإخضاع مختلف الأجيال ووصولا بممارسة جملة من أساليب القمع، ومرورا بتضييق الخناق على الجامعة المغربية بإقحام جهاز أمني فيها غريب عليها. وقد زاد الطين بلة مع عجز الأحزاب السياسية المغربية والتي ساهم بجلاء في تكريس الواقع وعمل على إفشال مساهمة الشباب المغربي في الحقل السياسي.
ولعل من المؤشرات البارزة التي من شأنها تبيين عزوف الشباب عن السياسة، نسبة الشباب المغربي المؤطر من طرف الهيئات السياسية بالمغرب.
فلا يخفى على أحد أن النظام السياسي بالمغرب ظل يواجه على امتداد سنوات جملة من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في علاقته مع الشباب.
ويرى البعض أن عزوف الشباب عن السياسة ظاهرة عالمية لا تقتصر على المغرب ودول العالم الثالث. وفي هذا الصدد تطرقت أكثر من دراسة إلى جملة من الأسباب منها انعدام الثقة في السياسيين والأحزاب السياسية باعتبار أن السياسيين لا يمنحون الثقة للشباب.
وبالنسبة للمغرب، فإن بعض الباحثين الاجتماعيين يرجعون سبب هذا العزوف إلى الجانب التربوي، باعتبار أن الشباب عندما كانوا في سن المراهقة كان ممنوعا عليهم التكلم في الدولة ومؤسساتها، وغالبا ما كان هذا المنع يصدر من داخل العائلة، لاسيما وأن المقاربة المنية للدولة والمتمثلة في القمع وتضييق الخناق على الحريات الشيء الذي يكون قد ساهم في إنتاج مواطن منعدم الحس الوطني، وظل هم المواطن في مرحلة معينة إبعاد المتاعب عنه، إلى حد أن التعاطي للسياسة بالمغرب أضحى مغامرة كبيرة قد تقضي على من يخوض فيها.
فمن الملاحظ بالمغرب أن الشباب لا يشارك في اللعبة السياسية، وهذا تعامل سلبي، وكأي ظاهرة في التعامل السلبي، فهي لا تكون وليدة الظرف وإنما غالبا ما تكون نتيجة تراكمات. وهناك الكثيرون يعتقدون أن الدولة سعت جاهدة وبكل الوسائل إلى إفراغ الركح السياسي من مختلف التوجهات السياسية المعارضة لها، وبالتالي فإن عزوف الشباب المغربي عن الفعل السياسي يبدو طبيعيا لأنه نتيجة منتظرة لتوجه عام ساد على امتداد سنوات كان فيها الصراع السياسي بالمغرب مطبوعا بالتحكم في السلطة دون إمكانية تداولها بأي وجه من الأوجه. وبذلك يحمل البعض المسؤولية للدولة في هذا الصدد. لاسيما وأنه في السابق كان هناك تكريس واضح لعزل الشباب المغربي والحيلولة دون مشاركته في الساحة السياسية من أبوابها.
وقد برزت إشكالية عزوف الشباب المغربي عن الفعل السياسي بمناسبة الانتخابات الأخيرة التي عرفها المغرب، حيث أنه بالرغم من تخفيض من التصويت إلى 18 سنة، لم يعاين المغرب مشاركة فعلية للشباب في المجال السياسي. وهذا طبيعي جدا ما دامت المشاركة السياسية الفعلية ليست وليدة قرار آني وإنما هي نتيجة لصيرورة. وفي هذا الصدد يبرز دور الهيئات السياسية والجمعيات وتتجلى مسؤوليتها التاريخية في هذا المجال.
وتزداد ضرورة الاهتمام بهذه الإشكالية بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء كمؤشر لظهور شكل جديد من الفعل السياسي. لاسيما وأن اليأس والتمرد استشرى وسط الشباب، وهو في واقع الأمر تمرد عن الدولة والمجتمع ما دامت لا الدولة ولا المجتمع ضمنا لشبابه مكانا تحت شمس وطنه.
لكن هل هناك فعلا عزوفا للشباب عن الفعل السياسي؟
فإذا كان المقصود هو فهم ضيق للفعل السياسي، أي الانخراط في الأحزاب والمنظمات والمشاركة في الانتخابات، فيمكن قبول وصف الوضع بالعزوف. أما إذا تبنينا فهما واسعا للفعل السياسي، فإننا سنلاحظ أن هناك عدة حركات احتجاجية، منظمة من خارج الأحزاب والنقابات والهيئات، إلى درجة أنها أضحت مألوفة لدى الجميع بالمغرب، ولا يمكن نكران أن هذه الاحتجاجات شكل من أشكال الفعل السياسي. فهل الأمر يتعلق في المغرب بعزوف عن الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات، وهذا يعني أن الشباب مازال يتطلع للمشاركة في الركح السياسي للمغرب ولكن عبر قنوات أخرى وأساليب أخرى ما دام فقد الثقة في الدولة والمجتمع ودواليبها التي لم توفر له إلا المزيد من الإقصاء والتهميش. وهذا أمر خطير وخطير جدا لا مناص من التعامل معه بعناية كبيرة اعتبارا لانعكاساته سواء الآنية أو المستقبلية، لاسيما إذا استمر غياب الشباب المغربي من دائرة المشاركة في القرار السياسي.
ويرى البعض أن العزوف عن الفعل السياسي بالمغرب لا يهم الشباب وحدهم وإنما يهم فئات وشرائح واسعة من المجتمع المغربي.
فكيف نطالب الشباب بالمشاركة والفعل السياسي وهم فاقدون الثقة في المؤسسات، عالمون علم اليقين أن القرارات تحدد خارج المؤسسات، وأن رأيهم لا وزن له لا داخل الحكومة ولا تحت قبة البرلمان، وهم الذين جربوا أكثر من مرة هاتين المؤسستين لاسيما وأن مشاكلهم ظلت مطروحة على امتداد سنوات وهم يعاينون كيف تم حل مشاكل لا تعنيهم، وتعني أقلية لا تكاد تبين بجرة قلم ؟ فكيف نطالب من الشباب المشاركة في الفعل السياسي وهو مضطر منذ ولوجه السنة الأولى للجامعة للاستعداد للإضرابات عن الطعام والاعتصامات وهروات قوات الأمن وربما الاعتقال للمطالبة بحقه في العمل ؟
والحيف الاجتماعي على امتداد مرحل الشباب وما بعدها؟
إنها في واقع الأمر معضلة من المعضلات التي ستواجه المغرب لسنوات، لاسيما وأنه لحد الآن ما زالت لم تأخذ بالعناية والمسؤولية السياسية والتاريخية التي تتطلبها.
وفي هذا الإطار يعتقد البعض أن هذا الواقع نتيجة طبيعية لهيمنة المخزن الجديد (الدولة) الذي نجح بامتياز في توسيع الهوة بين الأحزاب السياسية والمواطن المغربي، وما العزوف العام، ومن ضمنه عزوف الشباب عن الفعل السياسي إلا ثمرة من هذه الصيرورة، وبذلك يتساءلون هل حقا المغرب يحيا انتقالا ديمقراطيا فعليا ؟
وعلاوة على هذا وذاك، لابد من ربط إشكالية العزوف عن الفعل السياسي بدور الجامعة المغربية. ففي السابق (السبعينات والثمانينات) كانت الجامعة المغربية تقوم بدور أساسي في إنتاج شباب فاعل سياسيا يتميزون بمواقف سياسية قوية، إلا أنها الآن بفعل التعامل الأمني معها وبنظرة مفادها أنها ظلت دائما تشكل خطرا، لم تعد تلعب ذلك الدور الطلائعي.
ومهما يكن من أمر فإن إشكالية عزوف الشباب (رجال الغ) لابد وأن تكون له انعكاسات على صيرورة المغرب، لاسيما وأن العاطلين مدى حياتهم وغير الواجدين مكانا تحت شمس وطنهم يتكاثرون يوما بعد يوم، وهذا كاف وزيادة لأخذ هذه الإشكالية بعين الاعتبار فورا وبجدية.
إدريس ولد القابلة