سيره مختصره / لقصة اصحاب الفيل
~~~~~~
قصة*الفيل*وكان سبب قصة أصحاب*الفيل*- على ما ذكر محمد بن إسحاق - أن أبرهة بن الصباح كان عامﻼ للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء . وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب " فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليﻼ . فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها . وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله . وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه . فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .*فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا ، فقال أيها الملك فاستبقني خيرا لك ، فاستبقاه وأوثقه .*وكان أبرهة رجﻼ حليما . فسار حتى إذا دنا من بﻼد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيﻼ ، فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة . فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق .*فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف . فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك . فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجﻼ من الحبشة - يقال له اﻷسود بن مفصود - على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع اﻷسود إليه أموال الحرم . وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .*ثم بعث رجﻼ من حمير إلى أهل مكة ، فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت ﻷهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .*فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه . وأن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .*قال فانطلق معي إلى الملك - وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب - فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال ما غناء رجل أسير ﻻ يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس*الفيل*فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .*فأرسل إليه فقال ﻷبرهة إن هذا سيد قريش يستأذن عليك . وقد جاء غير ناصب لك وﻻ مخالف ﻷمرك ، وأنا أحب أن تأذن له .*وكان عبد المطلب رجﻼ جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه . وكره أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته . فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .*فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك . قال لم ؟ قال جئت إلى بيت - هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم - ﻷهدمه . فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب اﻹبل . والبيت له رب يمنعه منك .*فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا الخبر . وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا . وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول*يا رب ﻻ أرجو لهم سواكا*يا رب فامنع منهمو حماكا*إن عدو البيت من عاداكا*فامنعهمو أن يخربوا قراكا*وقال أيضا :*ﻻ هم إن المرء يمنع رحله*وحﻼله فامنع حﻼلك*ﻻ يغلبن صليبهم*ومحالهم غدوا محالك*جروا جموعهم وبﻼدهم*والفيل كي يسبوا عيالك*إن كنت تاركهم وكعب*تنا فأمر ما بدا لك*ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول . وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى*الفيل*. فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود . فإنك في بلد الله الحرام . فبرك*الفيل*فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك . فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثﻼثة أحجار . حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إﻻ هلك . وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن - 36 - نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك