مشروعية الاحتفال بعيد المولد النبوي
من الأعياد الإسلامية هو عيد المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله آلاف الصلاة والسلام.
وقد امتازت بعض البلدان الإسلامية باهتمامها البالغ والكبير بهذه المناسبة الشريفة، فيتم الإعداد لها بوقت مسبق من تحضير الحلوى وتزيين الجوامع والشوارع والدور وتهتم بإقامة المحافل الشعرية المفعمة بالمدائح النبوية ومحافل تلاوة القرآن الكريم وتكرار الصلاة على النبي وآله.
وتكون العيدية في عيد مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هي الإنفاق على العيال وتفريق الحلوى بين المتعايدين والقيام بالتزاور للمشاركة في أفراح هذا اليوم وتبادل السرور والبهجة، وقد لوحظ أن بعض البلاد الإسلامية لم تولِ هذا العيد اهتماماً يتناسب مع حجم هذا اليوم؟ ومرجع ذلك إلى أمرين:
الأول: المستوى الثقافي العام للفرد بسبب بعض التداخلات الفكرية والثقافية القادمة من بيئات أما غير إسلامية وإما إسلامية متطرفة.
الأمر الثاني: وضع الاحتفال بين حكم الممدوح والمذموم الصادر من قبل جهات خاضعة لآلية خاصة بها في فهم النصوص الشرعية، فمنهم من عدّ الاحتفال مذموماً فانعكس ذلك على ثقافة المسلم فأهمل هذا اليوم حتى أصبح لديه قناعة بأنه مأثومٌ إذا احتفل بيوم مولد نبيّه الذي يؤمن بدينه (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد بن الرزاق الدويش).
فلا عيد عنده في هذا اليوم ولا عيدية!
ومنهم من أفتى باستحسان الاحتفال بهذا اليوم وحث على تعظيمه ملتمساً في ذلك رفع المستوى الثقافي والتربوي للفرد المسلم من خلال ما يتلى من قصائد شعرية تظهر شمائل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وبيان جوانب من سيرته العطرة كي يعي الأبناء هذا الخُلق النبوي ويرسخ ذلك في أذهانهم فينعكس على سلوكهم في الحياة.
وقد جمع البكري الديمياطي الشافعي هذه الفتاوى، فمنها:
1ــ فتوى خاتمة الحافظ السيوطي، فقال: (والجواب عندي: إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط فيأكلون وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف (سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج1، ص367. حواشي الشيرواني والعبادي: ج7، ص422).
2ــ فتوى مفتي مكة والمدينة الشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي، قائلا:
جرت العادة أن الناس إذا سمعوا ذكر وضعه صلى الله عليه وآله وسلم يقومون تعظيماً له صلى الله عليه وآله وسلم وهذا القيام مستحسن لما فيه من تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد فعل ذلك كثير من علماء الأمة الذين يقتدى بهم.
قال الحلبي في السيرة فقد حكى بعضهم أن السبكي اجتمع عنده كثير من علماء عصره فانشد منشده قول الصرصري في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب
على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه
قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب
فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من بالمجلس، فحصل أنس كبير في ذلك المجلس وعمل المولد، واجتماع الناس له كذلك مستحسن (إعانة الطالبين للبكري الديمياطي: ج3، ص413. حواشي الشيرواني والعبادي: ج7، ص422).
3ــ قال الإمام أبو شامة شيخ النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا في كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة، فإن ذلك ــ مع ما فيه من الإحسان للفقراء ــ مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين (إعانة الطالبين للبكري الديمياطي: ج3، ص413. حواشي الشيرواني والعبادي: ج7، ص422).
4ــ قال السخاوي: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم (ثقافة العيد والعيدية، السيد نبيل الحسني: ص38 ــ 40).
الأحداث التي جرت في مولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
عن ابن بابويه قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم.
وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي ليس منهم صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشر شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة، وانسربت في بلادهم.
وانفصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، والملك مخرسا، لا يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم يبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب.
وقالت آمنة: إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا صلى الله عليه وآله وأتي به عبد المطلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمه، فأخذه ووضعه في حجره ثم قال:
الحمد لله الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد في المهد على الغلمان
قال: وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه، وقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماوات والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم، ما حدث مثله منذ رفع الله عيسى ابن مريم عليه السلام، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟ فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا.
فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا بالملائكة، فذهب ليدخل، فصاحوا به، فرجع ثم صار مثل الصر، وهو العصفور، فدخل من قبل حراء وقال له جبرئيل: ما وراءك لعنك الله؟ فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له: ولد محمد صلى الله عليه وآله، فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا.
قال: في أمته؟ قال: نعم، قال: رضيت)( الأنوار البهية، الشيخ عباس القمي: ص32).
عن ابن بابويه وعنه قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، عن محمد بن سنان، عن ليث بن سعد، قال: (قلت لكعب، وهو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبي صلى الله عليه وآله وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه، فأجرى الله على لسانه، فقال: هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك، فقال كعب: إني قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها أنزلت من السماء، وقرأت صحف دانيال كلها، فوجدت في كلها ذكر مولده، وذكر مولد عترته، وأن اسمه لمعروف، وإنه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى وأحمد صلوات الله عليهما، وما ضرب على آدمية حجب الجنة غير مريم وآمنة أم أحمد، وما وكلت الملائكة بأنثى حملت غير مريم أم المسيح، وآمنة أم أحمد عليهما السلام.
وكان من علامة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به عليه السلام نادى مناد في السماوات السبع: أبشروا، فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الأرضين كذلك حتى في البحور، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلا علم بمولده، ولقد بني في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر، وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة.
ونجدت الجنان وقيل لها: اهتزي وتزيني فإن نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنة يومئذ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة.
ولقد بلغني أن يومئذ ما بقي جبل إلا نادى صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلا الله، ولقد خضعت الجبال كلها لأبي قبيس كرامة لمحمد صلى الله عليه وآله، ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنائها وثمارها فرحا بمولده صلى الله عليه وآله، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من أنواع الأنوار لا يشبه كل واحد صاحبه، ولقد بشر آدم بمولده صلى الله عليه وآله فزيد في حسنه سبعين ضعفا، وقد كان وجد مرارة الموت وكان قد مسه ذلك فسري عنه ذلك، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة واهتز، فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد صلى الله عليه وآله.
ولقد زم إبليس وكبل وألقي في الحصن أربعين يوما وغرق عرشه أربعين يوما، ولقد تنكست الأصنام كلها وصاحت وولولت، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة: يا آل قريش جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العز الأبد، والربح الأكبر، وهو خاتم الأنبياء.
ونجد في الكتب أن عترته خير الناس بعده، وأنه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي.
فقال معاوية: يا أبا إسحاق ومن عترته؟ قال كعب: ولد فاطمة، فعبس وجهه، وعض على شفتيه، وأخذ يعبث بلحيته، فقال كعب: وإنا نجد صفة الفرخين المستشهدين وهما فرخا فاطمة، يقتلهما شر البرية، قال: ومن يقتلهما؟ قال: رجل من قريش، فقال معاوية: قوموا إن شئتم، فقمنا) ( حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني: ج1، ص25 ــ 27).
عن محمد بن يعقوب، عن حميد بن زياد عن أسباط بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحداهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟ قالت: وما ترين؟ قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب، فقال لهما: ما لكما؟ من أي شيء تعجبان؟
فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك؟
فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود) ( حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني: ج1، ص27 ــ 29).
بعض الأعمال المخصوصة في هذا اليوم المبارك
أولاً: الغسل.
ثانيا: الصوم، وله فضل كثير، وروي أن من صامه كتب له صيام سنة، وهذا اليوم هو أحد الأيام الأربعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة.
روى الشيخ الطوسي في تهذيبه عن أبي عبد الله بن عياش قال: حدثني أحمد بن زياد الهمداني، وعلي بن محمد التستري، قالا: حدثنا محمد بن الليث المكي، قال: حدثني أبو إسحاق بن عبد الله العريضي، قال: (وحك في صدري ما الأيام التي تصام ؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام ، وهو بصريا، ولم أبد ذلك لاحد من خلق الله، فدخلت عليه فلما بصر بي، قال عليه السلام يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي الأربعة:
أولهن اليوم السابع والعشرون من رجب، يوم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين، ويوم مولده بمكة، وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، فيه دحيت الكعبة، ويوم الغدير، فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أخاه عليا عليه السلام علما للناس، وإماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت، أشهد أنك حجة الله على خلقه)( حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني: ج1، ص21 ــ 22).
ثالثا: زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قرب أو عن بعد.
رابعاً: زيارة أمير المؤمنين عليه السلام بما زار به الصادق عليه السلام وعلّمه محمد بن مسلم من ألفاظ الزيارة(مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي: زيارة الأمير عليه السلام في يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
خامسا: أن يصلي عند ارتفاع النهار ركعتين، يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة (أنا أنزلناه) عشر مرات، والتوحيد عشر مرات.
سادسا: أن يعظم المسلمون هذا اليوم، ويتصدقون فيه ويعملوا الخير، ويسرّوا المؤمنين، ويزوروا المشاهد الشريفة، والسيد في الإقبال قد بسط القول في لزوم تعظيمه تعظيماً، لا يعظمون فيه أحداً من العالمين، وتعجّبت كيف قنع من يعظّم ذلك المولد من أهل الإسلام، كيف يقنعون أن يكون مولد نبيّهم الذي هو أعظم من كل نبي دون مولد واحدٍ من الأنبياء(مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي: أعمال شهر ربيع الأول، ص345).